قواعد في أسماء اللَّه تعالى
القاعدة الأولى : أسماء اللَّه تعالى كلها حسنى :
أي بالغة في الحسن غايته ، وفي الجمال ذروته ، قال اللَّه تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } .
وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالاً ولا تقديرًا .
ومعنى الحسنى المضافة إلى أسمائه معنيان :
الأول : حُسْنَى في معناها وفي نفسها . فإن أسماء اللَّه كلُّها حُسْنٌ وجمالٌ ، وخيرٌ وكمالٌ ، وقوةٌ وجلالٌ .
مثال ذلك : (( الحي )) اسم من أسماء اللَّه تعالى ، متضمن للحياة الكاملة التي لم تُسْبَق بعدم ولا يلحقها زوال ولا يطرأ عليها خلل . الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها . قال تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } [ الفرقان : 58 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن اللَّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام .
مثال آخر : (( العليم )) اسم من أسماء اللَّه تعالى متضمن للعلم الكامل
الذي لم يُسبق بجهل ولا يلحقه نسيان ، قال اللَّه تعالى : { عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى } [ طه : 52 ] .
وعلمه عز وجل هو العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً ، قال تعالى : { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } .
الثاني : حُسْنَى في أثرها لمن تعبد للَّه بها .
1- : أن من عرفها فقد عرف الله عز وجل ، فهي حُسنى في المقصد والثمرة التي هي معرفة اللَّه عز وجل .
2- : أن اللَّه عز وجل وَعَد عليها بعظيم الثواب من دخول الجنة لمن أحصاها وحفظها ، فهي حُسنى في العاقبة والأجر لمن تعلَّمها وآمن بها وأدَّى حقَّها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن لله تسعةً وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة .
ثالثًا : ومن تمام أنها حُسنى أن اللَّه تبارك وتعالى لا يُدعى إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى ، قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] .
القاعدة الثانية : أسماء الله تعالى توقيفية :
أي لا مجال للعقل فيها ؛ أي لا بد وأن تكون معرفتُها من خلال الأدلة الشرعية من القرآن وصحيح السنة المطهرة .
قال السفاريني
لكنها في الحق توقيفية لنــا بذا أدلة وفيــة
وهذا لأسباب منها :
1 : أنها من أمور الغيب التي لا يَعلمها الخلقُ إلا أن يعلمهم اللَّهُ إياها من خلال الوحي إلى الأنبياء والرسل ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } [ الجن : 26، 27 ] .
2 : أن عقل الإنسان قاصرٌ لا يمكنه إدراك ما يستحقه اللَّه تعالى من الأسماء ، قال تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا أحصي ثناءً عليك ))([1]) . لذلك يجب الوقوف في معرفة أسماء الله على الشرع ، قال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } .
3 : لأن القول على اللَّه بغير علم من أشد المحرمات :
فتسمية اللَّه تعالى بما لم يُسمِّ به نفسه أو إنكار ما سمَّى به نفسه جناية في حقه تعالى وتَوَعَّدَ اللَّهُ من فعل ذلك بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } [ الحج : 3، 4 ] .
وقال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ (
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَمٍ لِلْعَبِيدِ } [ الحج : 8- 10 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من تعمَّد عليَّ كذبًا فليتبوأ مقعده من النار )) .
هذا عقاب الكاذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بمن يكذب على اللَّه عز وجل ؟!
القاعدة الثالثة : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } :
قال ابن القيم رحمه اللَّه:
لا شيء يشبه ذاته وصفاته سبحانه عن إفك ذى البهتان
فإن أسماء اللَّه الحسنى ، وصفاته العُلى ليس كمثلها شيءٌ من خلقه ، فينبغي الإيمان بها كما جاءت في الشرع بلا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] .
فينبغي إجراء النصوص على ظاهرها من غير إنكار ولا تأويل والإيمان بها كما أراد اللَّه عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قال الشافعي رحمه اللَّه : (( آمنت باللَّه وبما جاء عن الله ، على مراد الله ، وآمنت برسول الله ، وبما جاء عن رسول اللَّه ، على مراد رسول اللَّه ))
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن اللَّهَ ينزل إلى سماء الدنيا .. )) ، و(( إن اللَّه يُرى في القيامة )) وما أشبه هذه الأحاديث : (( نؤمن بها ونصدق بها ، لا كيف ، ولا معنى ، ولا نرد شيئًا منها ، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ، ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصف اللهَ بأكثر مما وصف به نفسه بلا حدٍ ولا غاية : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ونقول كما قال ، ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك ، ولا يبلغه وصف الواصفين ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شُنِّعَت ، ولا نتعدَّى القرآن والحديث ، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن ))
فسبحان اللَّه ، كيف يشبه المملوكُ مالكَه ، والمرزوقُ رازقَه ، والمخلوق خالقَه ؟!
قال تعالى : { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ النحل : 17 ] .
مثال ذلك : للَّه سمع ، ولكنه ليس كسمع خلقه ، فسَمْعُ الناس يكون بجارحة تطرأ عليها الأمراض ويصيبها الخلل ، ثم إذا سمعت فإنها تسمع الصوت العالي وقد لا تسمع المنخفض وتسمع القريب ولا تسمع البعيد ، وتسمع الجهر ولا تسمع السر وتختلط عليها الأصوات فلا تميز بعضها عن بعض ، ثم يذهب ما تبقى منها ويفنى بالموت ، أين هذا من سمع اللَّه جل جلاله وتقدست أسماؤه ، فإنه يسمع ما تحت الأرض كما يسمع ما فوق السماء ، ويسمع الجماعة كما يسمع الفرد ، والقريب والبعيد عنده سواء ، والسر عنده مثل العلن ، قال تعالى : { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] ، وقال تعالى : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ الملك : 13 ] .فلا تشغله الأصوات الكثيرة عن الصوت المنفرد ، ولا أصوات صاخبة عن صوت منخفص ، فإن اللَّه تبارك وتعالى يسمع دبة النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . وانظر إلى عائشة رضي الله عنها وهي تسبِّحُ ربها لِما علمت من إحاطة سمعه بالأصوات ، فتقول : (( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }[ المجادلة : 1 ] )) .
مثال آخر : للَّه وجه ، ولكنه ليس كوجوه الخلق ، فمن وجوه الخلق ما يكون دميمًا ، ولو كان جميلاً ، فهو جمالٌ بشريٌ ناقصٌ تأتي عليه الأغيار ، والحوادث ، فالمرض يُذْبلُ نضرَته ، والهِرَم يطفئ وضاءته ، ثم هو على كُلِّ الأحوال إلى فناء ، أين هذا من وجه اللَّه تبارك وتعالى الذي يفيض بالجلال ويستحى من جماله الجمال ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن اللَّهَ جميلٌ يحب الجمال )). وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف جمال وجه اللَّه : (( حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )) ، وجماله ثابتٌ لا يتغير ، ودائمٌ لا يفنى ، قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26، 27 ] .
القاعدة الرابعة : الأسماء الحسنى ليست أعلامًا فقط ، ولكنها تحمل صفات ومعاني :
الاسم العلم هو ما دل على صاحبه وعرَّفه وميَّزه عن غيره ، كأن يُسمى رجلٌ (( صادق )) أو (( كريم )) ، ولكنه ليس بالضرورة أن تكون صفتُه (( الصدق )) أو (( الكرم )) ، فقد يُسمى كريمًا ويكون بخيلاً في صفته ، أو يكون اسمه (( صادقًا )) ، والكذب من صفاته .
أما أسماء اللَّه الحسنى فهي أعلام وأوصاف معًا ، تحمل معاني وتعبر عن صفات اللَّه التامَّة الكمال والجمال . فمثلاً : من أسماء اللَّه تعالى : الغفور ، والرحيم . قال تعالى : { وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
(( فهو الغفور )) فإنه يغفر الذنوب جميعًا ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } .
(( وهو الرحيم )) فرحمته وسعت كل خلقه ، قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
مثال آخر : اسمه الخالق جل جلاله فإنه يحمل صفة الخلق ، قال تعالى : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ، وقال تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } [ الفرقان : 2 ] ، وكذلك اسمه (( الكريم )) عز وجل ، فإن الخلق جميعًا يحيون من نعمه ويُرزقون من كرمه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يد الله ملأى لا تغيضها([1] نفقة سَحَّاء([2الليل والنهار )) . وقال : (( أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده
القاعدة الخامسة : باب الصفات أوسع من باب الأسماء :
أي أن الصفات أكثر من الأسماء ، وذلك لأن كل الأسماء تحمل صفات - كما تقدم شرحه - فكل اسم تشتق منه الصفة التي يحملها ، ولكن لا يصح اشتقاق اسم من أسماء اللَّه تعالى من الصفات ، فكل اسمٍ يحمل صفة وليس كل صفة تحمل اسم .
مثال ذلك : اسم اللَّه (( الرحمن )) يحمل صفة الرحمة ؛ لقوله تعالى : { فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } ، وكذلك اسمه (( العزيز )) يحمل صفة العِزة ؛ لقوله تعالى : { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ يونس : 139 ] ، وهكذا .
ولكن في الصفات ليس كذلك .
مثال ذلك : أن للَّه صفة الكلام ؛ لقوله تعالى لنبيه موسى : { إِنِّي
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [ الأعراف : 144 ] ، فهل يصح الادعاء بأن من أسماء اللَّه تعالى اسم (( المتكلم )) ؟ لا يصح بالطبع ، وكذلك صفة (( المكر )) و(( الكيد )) ، فقد ثبتت بالدليل من كتاب اللَّه ، فقال تعالى : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] ، وقال تعالى : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا } [ الطارق : 15، 16 ] ، فلا يصح أن يُقال أن من أسماء اللَّه (( الماكر )) أو (( الكائد )) . وذلك لأن أسماء اللَّه كلها حُسْنَى ، فكل ما تحمله من الصفات العُلَى ، أما الصفات في اللغة فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 : أن تكون صفات كمالٍ مطلق كالحياة ، والعلم ، والقدرة ، فهي تثبت لله كلها ويُنفى عنه ما يضادها من صفات النقص مثل إثبات صفة الحياة ونفي صفة الموت ، كقوله تعالى : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ } [ الفرقان : 58 ] .
2 : نقص مطلق كالعجز ، والموت ، والفقر ، فهي تُنْفَى عن اللَّه كلها ، ولكن يثبت لله تعالى ما يضادها .
(( مثال ذلك )) : صفة الظلم فإنها تُنفى كلها عن اللَّه تبارك وتعالى ويثبت له العدل بل الكرم ؛ لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] ؛ لأن نفي النقص وحده لا يعني الكمال ، فلابد من نفي النقص وإثبات لضده .
3 : صفات تحتمل كمالاً من وجه ونقصًا من وجه آخر ، فيُثْبَتُ لله تعالى فيها وجوه الكمال ، ويُنْفَى عنه منها وجوه النقص .
مثال : (( المكر )) و(( الخداع )) فإنها لو كانت من ضعيف لا يقوى على أخذ حقه فهو نقص ، وإن كانت من منافق خبيث يمكر بالمؤمنين ويخادعهم لتحقيق غرض خبيث في نفسه فهو نقص وهو من مذموم الصفات وهذا وأمثاله يُنْفَى كلُّه عن اللَّه جل جلاله .
أما إن كان (( المكر )) عقوبة بالماكرين وانتقامًا من المخادعين فهو من
الكمال ، وإن كان بغير ظلم ولا ضعف فهو من الكمال ، وإن كان بعد التحذير والانذار والإمهال فهو تمام العدل والرحمة ، فهذا وأمثاله يُثْبَتُ لله جل جلاله { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً } [ الكهف : 49 ] ، { وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ]
القاعدة السادسة : الأسماء الحسنى لا تزيد ولا تنقص :
فإن أسماء اللَّه الحسنى بالغة في الحسن ذروته ، وفي الكمال غايته ، كمالاً لم يسبقه نقصان ولا يأتي عليه الأغيار في الأزمان ، فالزيادة تكون أحد أمرين :
الأول : إما أن تكون الزيادة من أسماء الله حسنى أيضًا ، وهذا يستحيل في حق الله عز وجل ؛ إذ أن الأسماء الحسنى قد صُرفت كلُّها لله وحده سواءً التي سمَّى بها نفسه أو التي أنزلها في شرعه أو استأثر بها في علم الغيب عنده ، أو علَّمها لأحدٍ من خلقه .
والثاني : أن تكون الزيادة ليست من الأسماء الحسنى ، وهذا لا يليق باللَّه جل جلاله وتقدَّست أسماؤه ، وأن الشر لا يصح صرفُه لله ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( والشر ليس إليك ))([1]) .
القاعدة السابعة : أسماء اللَّه تعالى غير محصورة بعدد معين
أسماء اللَّه تعالى غير محصورة بعدد معين ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور : (( أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمته أحدًا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... ))([2) .
وما استأثر اللَّه تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا
واحدًا، مَن أحصاها دخل الجنة ) . فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة : إن أسماء اللَّه تسعة وتسعون اسمًا من أحصاها دخل الجنة ، أو نحو ذلك . ونظير ذلك أن تقول : عندي مائة درهم أعددتُها للصدقة ، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة.
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الأسماء ، والحديث المروي عنه في تعيينها ضعيف