بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الناس يعتقد أن الذكورة هي الرجولة، وهذا فهم غير صحيح، فليس كل ذكر رجلاً؛ لأن الرجولة أوصاف، وليس نوعًا من البشر، ومن صفات الرجولة كما جاءت في القرآن الكريم ما يأتي:
1- طهارة الظاهر والباطن:
قال تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ (التوبة: من الآية 108)، والمقصود بطهارة الظاهر والباطن، طهارة القلب والبدن؛ أي طهارة القلب من أمراض الحقد، والحسد، والغل، والشحناء، والبغضاء، والنفاق.
فيجب على المسلم أن يكون قلبه أبيض نقيًّا نظيفًا خاليًا من جميع الآفات والأمراض، التي تُعكِّر عليه صفوه ونقاءه.
سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس؟ فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟" فقال: "التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد"
(أخرجه الإمام المنذري، وقال إسناده صحيح 4/33 عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه).
وأما طهار الظاهر فيكون المسلم نظيفًا في مظهره؛ أي في بدنه وثيابه ولسانه، فيُستحب دائمًا أن يكون على وضوءٍ وطهارة، فالوضوء سلاح المؤمن، والله تعالى يقول: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾ (المدثر).
2- العمل للآخرة:
قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)﴾ (النور).
فقد وصف الله سبحانه وتعالى الرجال الذين يحرصون على عمارة بيته، أن التجارة من البيع والشراء، وغيرها من الأعمال، لا تُقعدهم عن أداء العبادات، والذكر والاستغفار، وأنهم يخافون من يوم القيامة، الذي تُبلى فيه السرائر، وتنكشف فيه الضمائر، وتُنشر فيه الدواوين، وتتقلب فيه القلوب والأبصار مما فيه من أهوال؛ لذلك فهم يعملون لذلك اليوم، حتى يخفف الله عنهم ما فيه من صعوباتٍ وشدائد.
3- الثبات على المبدأ:
قال تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب)، لقد وصف الله الصحابة الكرام، الذين ثبتوا على الإسلام، وثبتوا في ميدان القتال، بأنهم هم الرجال؛ لأن الثبات صفة عظيمة وصعبة، لا يقوى عليها إلا كبراء النفوس، وعظماء الرجال، أمثال الصحابة الأعلام، رضوان الله عليهم أجمعين.
4- الإيجابية:
الإيجابية من أهم صفات الرجولة، وهي تعني عدم السلبية، وعدم الرضا بالخطأ والظلم، وإنما يجب السعي الجاد، والعمل المتواصل المستمر من أجل التغيير والإصلاح، فما قيمة الحياة حينما لا يسعى الإنسان لنصرة المظلوم أو الوقوف في وجه الظالم، وهذا ما فعله مؤمن آل فرعون ومؤمن آل يس، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20)﴾ (القصص)، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)﴾ (غافر).
وعن مؤمن آل يس قال تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)﴾ (يس)، فكلا الرجلين جاء من مكانٍ بعيد، وقطع مسافةً طويلةً، فجاء من أقصى المدينة مسرعًا، من أجل أن يُقدِّم النصيحة، ويساعد المظلوم، ويغير المنكر، وينصح الظالم، حتى لا تفسد الحياة بغياب الناصحين المصلحين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الرجال الصادقين.